تصور أو لا تتصور ... صدق أو لا تصدق ، صديق لي بأحد البنوك قام مع بعض رفاقه بالاعتصام في مقر البنك الذي يعمل فيه وحملوا لافتات وأشعلوا مظاهرة من أجل زيادة رواتبهم و النظر لهم بعين العدل ، حتى هنا تبدو القصة عادية ومألوفة ، فليس ثمة مكان عمل في مصر إلا و فيه نفس الغضب والتظاهر والاعتصامات و الإضرابات عن العمل ، فالكل ينتظر الفرج بعد ثورة 25 يناير ، بخاصة أولئك الذين لم يشاركوا فيها ثانية واحدة واكتفوا بالتدخين والسباب أمام الشاشات ، بل أن معظمهم كانوا ساخطين على فكرة المظاهرات أصلا ، العجيب في الأمر أن صديقي موظف البنك هذا يصل مرتبه ، إلى مايزيد على خمسة آلاف جنيه بقليل ، كما أن البنك يتكلف بمصاريف علاجه وأسرته في القطاع الخاص ، وبالمواصفات والفواتير التي يرضاها هو ، كما أن صديقي يركب سيارة رائعة و يمتلك الشقة التي تؤيه وعائلته ، فلماذا هو ساخط هكذا .. كان لا بد أن أسأله و أستوضح منه ....
أقسم لي صديقي أن البنك لديهم عين مؤخرا شبابا وشابات من خريجات 2008 بوظيفة استحدثها بدرجة مستشار للبنك ، يتقاضى بسببها خمسة وسبعين ألف جنيه ، مع أن صديقي الذي تخرج قبل هذا بعشر سنين لا يناله العشر مما ينال هؤلاء المستشاريين المميزين ، إنه إذا الظلم و انعدام العدالة ، و ليس الحاجة الماسة إذن كباقي أمثلة الاحتجاج في كل مكان ...
فئة أخرى هم أساتذة الجامعات ، خرجوا منذ أيام يطالبون برواتب أقلها 25 ألف جنيه ، لا ألومهم فنظراؤهم في البلاد لمحترمة يتقاضون أرقاما تزيد على ذلك ، بل و بإمكان معظمهم لو هربوا للبلاد العربية والأجنبية الحصول على ما يكافئ وزنهم العلمي ودورهم البحثي ، صحيح أن معظمهم لا يعطي مهنته أي عطاء يشكر عليه ، وكلنا كنا طلبة جامعات عندما كانت الندرة فقط من تمنح العلم وقتها لوجه الله ولبلادها ، وكلنا نتذكرهم بالفضل والعرفان ، بينما كان السواد الأعظم يدخر مجهوده لمن يدفع المقابل ، ويلتجئون لمافيا المراكز والدروس الجامعية الخصوصية ، قبل أن تقوم تجارة التعليم الجامعي المليونية التي انتشرت الآن ، و قد يحتج من يقول أن ثورة كهذه يجب أن تعيد الأمور إلى نصابها فتجعل أستاذ الجامعة في أعلى هرم الدخل الفردي ، غير أننا لا ننسى أن كثيرا ممن وصلوا لمقعد أستاذ الجامعة ، تسلقها على سلم الفساد والنفوذ والعلاقات السقيمة التى قامت الثورة بسببها ..
أتذكر كلمة بغيضة لأحد الكتاب المحسوبين على النظام كان يقول : شكوى المصريين هي شكوى طموح لا شكوى حاجة .... ورد عليه أحد ألمع مناضلينا فقال له : يبقى انتا مش فاهم حاجه .....
غير أن الفوران الفئوي الذي لم يحرك الثورة يوم قامت ، ولكن اكتسب الشجاعة منها لما حررته من قمع البوليس ، و فساد الرؤساء ، يزأر الآن .. زئيرا أطلقته الثورة لكنه ليس على صوتها أو نغمها ، اتمنى لو ارتفع عليه صوت العقل ، وأنا واثق أن المرحلة القادمة مرحلة وعي لن يتهاود مع مظاهر الفساد والمحسوبية ، أو عساها كذلك ...
No comments:
Post a Comment